lundi 14 novembre 2016

خفايا الشعارات والحقائق الخفية - عبد المجيد بنقياس


شعاران يترددان كثيرا خلال كل تململ واحتجاج اجتماعي ألا وهما :"يا حكومة عار عار،الأسعار شعلت نار !"و"الشعب يعاني في الأرياف يا حكومة الالتفاف !".كثرت التعاليق على ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للمواطن ورمى المجتمع الأهلي بدلوه بما في ذلك جمعية الدفاع عن المستهلك التي دعت مؤخرا لمقاطعة البطاطا بعد حملة صيفية أولى نادت خلالها بمقاطعة اللحوم الحمراء.
فحسب الأرقام الصادرة عن معهد الإحصاء الوطني في 05/10/2012،يمثل الغذاء قرابة 33% من مجموع سلة المواطن التونسي الاستهلاكية.تعود هذه الزيادة الى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنحو 7.5% مقارنة بشھر نوفمبر2011.ويفيد المعهد أن الزيادة شملت أسعار اللحوم(13.6%)والبيض(12.5%)والخضر(11.5%)والحليب ومشتقاته والبيض(8.2%)والغلال والفواكه الجافة(8.4%)والأدوات المدرسية(7.8%).في ذات السياق شھدت مجموعة اللباس والأحذية ارتفاعا بنسبة 7.8% باحتساب الانزاق السنوي نتيجة ارتفاع أسعار المابس بنسبة 8.0% وأسعار الأحذية بنسبة 7.2%.كما ارتفعت أسعار مجموعة المطاعم والنزل بنسبة 8.8% وارتفاع أسعار المقاھي والمطاعم بنسبة 8.9% وخدمات النزل بنسبة 7.8%.  
 كما ارتفعت ﻧﺳﺑﺔ اﻟﺗﺿﺧم ﻋﻧد اﻻﺳﺗﻬﻼك اﻟﻌﺎﺋﻠﻲ ﻟﺷﻬر ﻧوﻓﻣﺑر2012 إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى %5.5.
لكن ما لم يوضحه البعض أن العناصر والآليات والفاعلين التي تحدد أسعار المواد الاستهلاكية عديدة ومعقدة.

1/العناصر
     1.1ـ ارتفاع أسعار مستلزمات الانتاج(الميكنة،الطاقة،البذور،الأدوية،الحيوان)وزيادة كلفة اليد العاملة والنقل والأداءات بالأسواق البلدية التي تسببت في ارتفاع كلفة الإنتاج؛
      1.2ـ ارتفاع نسبة التوظيف الجبائي على ما يعرف بالهباطة وتجار التفصيل(خضار،عطار،دجاج...الخ.)التي قد تصل الى حدود الـ 14%.
ما يخفي على العديد هو المستوى المعيشي المتدني لساكني الأرياف بصفة عامة،وصغار ومتوسطي الفلاحين بصفة خاصة،الذين يرزحون بين مطرقة أسعار مستلزمات الانتاج(منتجين)وسندان أسعار المواد الاستهلاكية(مستهلكين).إنّ الريف التونسي(3/1 السكان)مطالب بتوفير أغلب المواد الأولية الفلاحية للاستهلاك العائلي الحضري والريفي ولاستهلاك النسيج الصناعي والمساهمة في الموازنة بين الواردات والصادرات.إذا استثنيت بعض فروع الإنتاج الفلاحي ذات الصبغة الخصوصية التي لا تعتمد على الأرض كعنصر انتاج(الوحدات الكبرى لانتاج اللحوم البيضاء والبيض،وحدات الصيد الكبرى وتربية الأسماك)فإن 75% من الانتاج توفره المستغلات الفلاحية الصغرى التي لا تفوق مساحتها الـ 10هك،تلك التي لا تتجاوز جملة مساحتها الـ25% من المساحة الفلاحية الجملية.كما لا يعرف العديد،أنّ ارتفاع كلفة الانتاج الفلاحي جعلت من الدخل الصافي لمثل هذه المستغلات التي تحوم مساحتها حول الـ10هك،باستثناء تلك تعتمد النمط السقوي،لا يتجاوز الدخل السنوي الخام للأجير الفلاحي(2400 د.ت)،وهو ما يفسر عزوف الشباب عن النشاط الفلاحي والنزوح والهجرة السرية.

2/الآليات
إنّ الحكومات المتعاقبة ما فتئت الاعتماد على حزمة من الآليات لتعديل أسعار المواد الأساسية(حبوب وحليب ومشتقاتهما،لحوم بيضاء وحمراء) وذلك بالاعتماد على:
  1.2ـ تعديل الأسعار عن طريق الصندوق الوطني للدعم؛
  2.2ـ تخفيض الكلفة الانتاجية الفلاحية بدعم المحروقات مع جملة من الحوافز المالية والجبائية عند الاستثمار؛
  3.2ـ توريد المواد الأساسية كلما ارتفعت الأسعار وتكاثر التخزين الاحتكاري؛
  4.2ـ تدخل جزري/أمني لمقاومة التهريب وتوسع رقعة السوق الموازية والاحتكار.
لا ينفي أحد قيمة هذه الآليات الاجرائية التي تخدم مصلحة المستهلك الريفي والحضري(الآلية 1.2)،لكن كثرة اللجوء الى الاجراءات 3.2 و 4.2 لا تخدم مصالح المنتج لأنها بكل بساطة تخدم مصالح فئة قليلة من الموردين الخواص وبعض الفاسدين المتواجدين في أعلى هرم السلم الإداري بوزارتي"الصناعة والتجارة"و"الفلاحة والصيد البحري".أما الاجراء 2.2 فهو،في نظر أغلب العارفين والفلاحين،بمثابت ذرّ رماد في العيون لأنّ أغلب مكونات كلفة الإنتاج الفلاحي(مستلزمات الإنتاج)لا تشملها هذه الآلية،وإن شملتها في بعض الحالات فغالبا ما يكون بعد فوات الأوان وبمفعول غير رجعي.

3/الفاعلين
تعتمد المنظومة الحالية على كمّ هائل من الفاعلين يمكن استبيانها من خلال الآليات سابقة الذكر.فهناك المنتجون على اختلاف انماط الانتاج وهياكلهم التمثيلية(نقابات،مجامع،تعاضديات)،والمجمّعون والموزّعون فرادى كانوا أومنظمون في هياكل قانونية أو غير قانونية(مجامع الحبوب،مجامع الحليب،تعاضديات الخدمات الفلاحية،هبّاطة الخضر،جلاّبة الحيوانات...)،والنسيج الصناعي ـ الغذائي التقليدي والعصري(صناعة التّصبير والتّعليب،صناعة التّجزئة والتّحويل)،والمؤسسات الإدارية من صناديق الدعم المالي والاجتماعي(صندوق الدعم،صندوق التضامن الاجتماعي)والدواوين(ديوان الحبوب،ديوان الزيت)والوكالات(وكالة الاستثمار الفلاحي،وكالة الارشاد الفلاحي)والمندوبيات الجهوية الفلاحية وفروعها المحلية،والوزارات(التجارة والصناعة، الداخلية،المالية)وبعض منظمات المجتمع الأهلي(منظمة الدفاع عن المستهلك،النقابات الفلاحية،اتحاد الشغل).
من خلال هذه المنظومة الكبيرة والمعقدة،القانونية منها وغير القانونية،يمكن فهم تعدّد المصالح المادية والمعنوية ومستوى حدّة تناقضها،كما يمكن تخيّل حجم الفساد الإداري والمالي الذي ينخر منظومة الفاعلين.من السّهل على قارئ هذه الأسطر أن يستشفّ الحلقة الضعيفة داخل هذه المنظومة وبالتالي عليه،إن كان من أصدقاء الثورة والحق،أن يصطفّ إلى جانب الضعيف الذي لا يدخر حبّة عرق واحدة في سبيل توفير حاجيات المستهلك التونسي من المواد الأساسية !

د.عبد المجيد بنقياس

09/12/2012

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire