jeudi 4 septembre 2014

رجال الأعمال والشأن العام -- عبد المجيد بنقياس

إنّ موضوع العلاقة بين فئة رجال الأعمال والشؤون العمومية مطروح بشدّة هذه الأيام بمناسبة التحضير لانتخابات مجلس الشعب ورئاسة الجمهورية.بعد أن كثر الحديث عن دور المال السياسي وتأثيره في منظومة 23أكتوبر2011،وفي المشهد الإعلامي،ودوره في النّزوح الحزبي داخل المجلس التأسيسي وصلب الأحزاب والجمعيات،ها قد كثرت التعاليق والتجاذبات خلال الأسبوعين الأخيرين حول ذات الشأن لمّا عيّنت بعض الأحزاب على رأس بعض قائماتها الانتخابية التشريعية أصحاب نفوذ مالي معروفين باستثماراتهم بقطاعات اقتصادية استراتيجية إلى جانب تدخّل البلدان الأجنبية التي ترغب في فضاء مفتوح لأصحاب رؤوس الأموال من مواطنيهم.لهذا،ومساهمة في إنارة الرأي العام،وخاصة المتعلمين- باعتبار أنّ فحوى الخاطرة مكتوب وليس شفاهي-رأيت من الواجب الخوض في هذا الشأن لتوضيح مسألة فعالية الفاعلين في الشؤون العمومية من وجهة نظر تاريخية وأحقية بعضهم-رجال الأعمال-وحدود نشاطهم في هذا المجال.للتوضيح:إنّ ما سيرد أسفله بخصوص رجال الأعمال بتونس له بعض الاستثناءات النادرة.

لا يختلف إثنان في أنّ الشؤون العمومية،التي يريدها البعض مفردا(شأن عام)للتفرّد بها،هي أنشطة متعدّدة ومتشابكة تهمّ كلّ الناس غير القاصرين وقد تتناقض بعض مصالح الجمهور(أغلبية أهالي)مع بعض مصالح الخاصة لفئة قليلة.كما اتفق المفكرون في تصوّراتهم لصيرورة تشكّل الذوات المعنوية لإدارة الشؤون الجمهورية في ما عدى بعض الجزئيات التاريخية في علاقتها بخصوصيات حضارية تميّز بها هذا الشعب أو ذاك.فالعشيرة،والقبيلة،والعرش،والإمبراطورية،والحكومة القطرية،والإستعمار ذوات معنوية لتسيير شؤون عموم منظوريها وإن اختلفت طرق التسيير(تشاور،نيابة،تسخير،قوّة).

من المفارقات التاريخية أنّه كلّما تعدّدت المشاغل العمومية وتنوّعت كلّما تكاثرت تلك الذوات المعنوية وتمايزت واتجهت بالتشكل وفق منحى هرمي/عمودي شديد المركزة في أعلى الهرم عوض التوجه نحو هندسة أفقية تتوزع المسؤوليات بين خلاياها حسب المواقع والكفاءات والوظائف.لكن عديد المفكرين،من مختلف المدارس الفكرية والمناهل الإيديولوجية،لم يفُتهم تشخيص تلك الظواهر والمفارقات وتحليلها واتّفق جلّهم على أنّ الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج واستفحال الاحتكار بالمجال التجاري والمالي هما القاطرة التي كان وراء مثل هكذا هندسة هرمية لإدارة الشؤون العامة،لأنّ محتكر وسائل الإنتاج وتجارة المواد والمال يعتقد أنّ الشؤون العمومية من توابع الشأن الخاص.فكبار مالكي وسائل الإنتاج،ومحتكري الأسواق،والمرابين،والكهّان،والملوك،والأباطرة،والغزاة كانت لهم نظرة دونية للأهالي القاطنين بمناطق نفوذهم وكانوا لا يعتبروهم غير رعاع قاصرين لا يحقّ لهم غير العمل للإنتاج المادي مقابل توفير الأدنى من أساسيات الإدامة من مأكل ومسكن وأمن.

رغم كلّ هذا لم يُغفل البعض من تسجيل أنشطة ذات بُعد إنساني قام بها عديد الأشخاص من ذوي النفوذ التجاري والمالي والمعنوي وصلت بالبعض منهم إلى حدّ مناهضة ماسكي الحكم المركزي.فالإنسان بطبعه يمتلك حسّ الانتماء والمسؤولية،ويتأثر بما يحدث بمحيطه من تغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية،ويتمتّع بحريّة نسبية في اختياراته،على عكس التشكيلات الأهلية(المدنية)التي عادة ما تكون متعدّدة الأطراف ذوي مصالح خاصة مما قد يؤثر على التوجه والسياسة العامة للتشكيل الأهلي؛ وهي تشكيلات معقّدة التركيب ممّا قد يعطّل سرعة القرار ويفقدها جدوى التسيير.لقد سجّل التاريخ،في عديد القضايا الإنسانية العادلة،تبني بعض من هؤلاء الأشخاص لمواقف إيجابية اعتبروها واجبا وقد انعكس ذلك من خلال مواقف سياسية جريئة وسلوك اجتماعي مسئول مساندا للحق ومستنكرا للإقصاء والتهميش والظلم.بالطّبع لم يكن قادرا على مثل هكذا سلوك ونشاط إلاّ أصحاب الجاه والأعمال.فكلّ شخص ينتمي إلى هذه الفئة الاجتماعية حرّ في توجهاته الاقتصادية والاجتماعية وفي توجيه أمواله لخدمة الأهداف التي يريد انطلاقا من قناعاته الشخصية،وتحلّ التقاليد والدين والمعتقدات كعوامل تأسّس طبيعة ميولاته وتوجهاته المجتمعية والاقتصادية والسياسية،وتحدد بالتّالي زاوية رؤيته التي بموجبها يتصرف في أمواله(هبة،تبرع،تبنّي،استثمار).لكن هذه الحرية لم تكن مطلقة بل مقيّدة بشرط الالتزام بعدم الخوض في مجالي السياسة والدين.فالكاهن الملك،والمُرشد الأمير،والإله الإمبراطور،والمُنقذ الغازي يعتبر هذه المجالات من اختصاص مؤسّسات الحكومة المختزلة في شخصه.لا يفوت التذكير بأنّ موقف الحكومات المركزية وأهدافها من هذه التشكيلات غير الحكومية(أهلية)تراوحت بين المنع والتّلجيم والقمع تارة أخرى،والتدعيم والتّحفيز تارة أخرى،وهو ما دفع ببعض الأشخاص للنشاط الفردي الذي كان أسبق في الظهور من التشكيلات الجماعية الاجتماعية والسياسية.

بالتـأكيد أنّ رجل الأعمال مُجبر بمسؤوليات اقتصادية واجتماعية باعتباره ذات بشرية تبحث عن الزيادة في حجم وقيمة الإنتاج.فالبحث الدؤوب عن تراكم الأرباح والرّفاهية لا يستقيم بدون استثمار قد يسهم في التخفيف من البطالة والحدّ من عبء الفقر وهو بذلك مساهم في تأسيس فضاء آمن نسبيا يستطاب فيه المزيد من الاستثمار.يطالب رجل الأعمال دوما بتوفير الظروف الأمنية كأولوية مطلقة للاستثمار- وهو نداء صريح للقمع والإقصاء الدّائم- حتّى يتسنّى له الإسهام في التنمية والقضاء على الظواهر الاجتماعية السلبية !ها إنّنا أمام معضلة الإجابة عن السؤال المشهور:"من الأوّل؟الدّجاجة أو البيضة؟".
للمحاججة:يا رجال الأعمال،ها قد حظيتم بتلك الأولوية،كفئة اجتماعية،طيلة قرون ونعمتم بالأمن والحوافز المالية والجبائية!..لقد غنمتم من مناويل الحكم والتنمية ما استطاب لكم(جاه،مال،رفاه...الخ.) !..يا رجال الأعمال المستثمرون بتونس،إنّ شعار الجمهورية التونسية القديم يفيد بأولوية أمنكم وحريتكم(نظام×حريّة×عدالة).لقد نعمتم وغنمتم طيلة مدّة تزيد عن نصف قرن!في المقابل ماذا غنم عموم الشعب؟لم يرى جمهور الجمهورية غير البطالة والفقر والخصاصة التي"أنعمت"بها الخصخصة واقتصاد السوق!
تربّعتم على عرش المال والأعمال وشرّعتم نهب خيرات البلاد لأنفسكم ولغيركم من الأجانب ووكّلتم من أردتم لإدارة شؤون البلاد الأمنية وها إنّكم اليوم تطمحون بالتوكيل الذاتي بانخراطكم بأكبر الأحزاب الليبرالية.إنّ توليكم تمويل الحملات الإعلامية والصفقات السياسية،وشروطكم للحيازة لبعض الكراسي النيابية بـ"مجلس الشعب"،وتسويقكم لرئاسة الجمهورية لمن تقدرون عليه ولمن يقدّر طموحكم إلا" دليل على ذلك.هذه شؤون عمومية ولكم الحقّ في ذلك لكن شروط الشرعية التي يتناساها البعض عظيمة.فما هي هذه الشروط؟
أوّل شرط ذو طبيعة دستورية ويكمن في التقيّد بالعقد المجتمعي الجديد من التوطئة إلى آخر فصل وخاصة تلك المتعلّقة بمسؤوليات الدولة وضماناتها تجاه الفئات والجهات والأجيال والبيئة لتحقيق سقف شعارات 17ديسمبر2010/14جانفي 2011.فمن أين لرجال الأعمال الذين ترعرعوا على الفساد والأنانية المفرطة والمنادين بخصخصة كلّ الثروة العمومية(طبيعية ومؤسساتية)وتسليع كلّ شيء بما فيها الذوات البشرية أن يحققوا ما يرنو إليه الدستور التوافقي !
ثاني شرط ذو طبيعة أخلاقية- روح تضامنية،نزاهة،نظافة السريرة،إشعاع – التضامن نقيض للأنانية وهو استعداد للتضحية ببعض "المتاع"الخاص(مادي أو غير مادي)للتخفيف من عبئ المآسي التي يعانيها البعض(فئة،جهة)ببعث المشاريع الإنتاجية والخدماتية والمساهمة في التأسيس لشبكات الاقتصاد التضامني والتضامن الاجتماعي والاستثمار غير ربحي في مجال الثقافة والعلوم.أمّا النزاهة و.و.و فتتمظهر في شفافية التعامل مع الأشخاص(عمّال،كوادر)والمؤسسات(منافس،جباية،إعلام،قضاء).فمن أين لرجل أعمال يتملّص من إعطاء حقوق الأجير وحقّ الدولة من أن يفيد في النيابة البرلمانية !؟..هل يمكن أن ننتظر من رجل أعمال متمّعش من مشاريع الخصخصة التي بدأها"زعبع"وزبانيته(بعضهم على رأس قائمات بأحزاب ليبرالية والبعض الآخر يرنو لرئاسة الجمهورية)أن يعارض مشروع مجلّة استثمار تبيح خصخصة المؤسسات العمومية وتستبيح ثروات البلاد !؟..وهل يمكن أن نأمل عكس ما يقوله المثل الشعبي:"فاقد الشيء لا يعطيه"في مجالي الثقافة والعلم !؟..

بالرجوع إلى مسألة"الدّجاجة والبيضة"،أترك للـ"مجراب اللّي تحكّه مرافقه"وبعض مرافقيه أن يجرّب الاحتكاك بهذا الموضوع ويعلّل الإجابة !

أمّا فيما يخصّ كاتب هذه الخاطرة،فيقول:إن كنتم في وضع"الدّجاجة"فاعلموا أنّكم مصابون بالعقم وإن كنتم في وضع"البيضة"اعلموا أنّكم بيضة عقيم !لا تسلكوا نفس المسلك القديم..لتعلموا أنّه قد حان عصر تأسيس المؤسسات الشعبية،لا بالمعنى الشعبوي،بل بمعنى مؤسسات عصرية في خدمة المواطن،تقاوم الفساد الإداري،والعبث المالي،والمحسوبية،والزبونية الذي كنتم بها تنعمون؛مؤسسات تسيرها مجالس بها كفاءات علمية وطنية لا من كفاءات الوصاية والتسويق..كلّ تونسي وطني وديمقراطي يطمح لاحترام الحريات الفردية والجماعية ويرغب في صون الكرامة الإنسانية التي لا تستقيم بدون مشاركة في إدارة الشؤون العمومية والمساهمة في خلق الثروة المادية وغير المادية والعدالة في تقاسمها وبدون عدالة اجتماعية ومن دون عدل قضائي..كلّ تونسي يأمل الأمن الشامل – أمن غذائي،أمن صحّي،أمن جسدي- لكن شروط هكذا أمن تكمن في حسن الاختيار على منوال حكم وتنمية بديل له لاءات بمثابت خطوط حمراء:
(1)لا لخصخصة القطاعات العمومية فهي ملك للعموم وحقّ الأجيال القادمة...على الدولة أن تعيد الأخذ بزمام الأمور في هذا الشأن.
(2)لا للاستثمار الحكومي في البنية الأساسية عدى مجالات التعليم والصحة والثقافة والفلاحة...على الخواص أن يستثمروا في بقية المجالات.
(3)لا لتمليك الأجانب...على كل مستثمر معنوي أو شخصي أن يؤسس لشراكة وفق مبدأ تقاسم الربح والمخاطر.
(4)لا لإحداث المؤسسات الكبرى(فلاحية،تجارية،صناعية،خدماتية)فلن يقدر عليها غير رأس المال الأجنبي وهي غير ذات جدوى تشغيلية وعادة ما تحدث أضرار بيئية كارثية...على الدولة التحفيز لإحداث المؤسسات المتوسطة والصغرى لتفتح المجال أمام رأس المال المحلي وتقلّل من المخاطر المالية(ديون،إفلاس)وتأثيراتها الاجتماعية.
(5)لا لحصانة النّائب بالمجالس النيابية(برلمان،مجالس محلية وجهوية)...على المجتمع المدني أن يبتدع آليات للمراقبة والمحاسبة ولسحب الثقة ممن لا أهلية له.

في الختام،لا يمكن إلاّ التّساؤل عن بعض الظواهر بالمشهد السياسي في علاقة بوضع صاحب رأس المال وموضوع الشأن العام.
ü      ما الغاية من التفاخر الحزبي بعدد المنخرطين من أصحاب رأس المال بهذه الجهة أو تلك،بهذا القطاع أو ذاك؟
ü      ما فحوى الرسالة التي يريد تبليغها بعض الأحزاب في تعيين بعض ممن أُدرج أسمائهم بخانة"الأزلام"على رأس قوائمهم الانتخابية؟هل هي رسالة للناخب المحلي أم لصاحب رأس المال أم لدوائر المال الخارجي؟
ü      ما الغاية من التأخير المقصود للتّطارح حول منوال التنمية البديل؟

الآن،وقد فتحت أبواب الترشح لـ"مجلس الشعب"،وجب التطارح حول هكذا تصورات للفرز السياسي والاجتماعي بدل التجاذب السياسوي وعوض المزايدة بعدد نقاط البرامج والمؤشرات الزائفة.لمن يروم منسوب هائل من الناخبين عليه أن يستدرج منافسيه إلى التطارح بحلبة"المنوال التنموي"وما يستلزمه من شروط،خاصة ذاك المتعلّق بآليات تشريك المواطنين في الخيارات التي تهمّه مباشرة،أي تلك المجالس المحلية والجهوية والإقليمية.إذا كان للمال السياسي دور في اختيار النّوّاب بالمجلس الشعبي فما بالك بالمجالس المحلية والجهوية والإقليمية !إذا استحوذ رأس المال على أغلبية بالمجالس المذكورة وبمجلس الشعب – وهو وارد جدّا في المرحلة الحالية مهما اختلف انتماءهم الحزبي- فعلى تونس"ألف سلام !"يا من تنادي بالأمن والأمان.

استحقاق رئاسة الجمهورية...بين نرجسية الشخصية المترشّحة والوظائف المدسترة وامكانية الطّرطرة - ع.ب.ق


  • كثرت الشخصيات التي تعلّقت همّتها بمؤسسة رئاسة الجمهورية من خلال إعلان نيّة التّرشّح لهذا المنصب.من المفارقات أنّ بعضهم لم يتوانى لحظة بنعت هذه المؤسّسة بالـ"طرطور"لا في شخص من يشرف عليها بل من خلال الوظائف التي يحقّ لرئيس الجمهورية ممارستها.فنعت الـ"طرطور"يعني اكتفاء الرئاسة بمهام وقع تقزيمها في إطار التأسيس لسلطة برلمانية.فماذا أضاف دستور الجمهورية التونسية من مهام حتّى يغيّر بعضهم موقفه ويعزم التّرشّح لهكذا منصب؟هذا تلخيص لوظائف رئيس الجمهورية علّه ينقّص من لهث البعض بالدعاية لـ"فلان" أو"علان"بل ينبّه لخصائص الوظيفة وخطورتها في ظلّ تداخل السّلط وعدم توازنها وانعدام الاستقلالية إلى جانب خطورة التقنين للتزكية،هذه التي اختلفت تسمياتها ونعوتها وبقي الهدف واحد ألا وهو الالفاف على حرية اختيار ممثلي مختلف المؤسسات(رئاسة،مجلس الشعب،هيئات دسورية محدثة،جماعات محلية وجهوية..الخ).
  • إنّ الترشّح لمنصب رئاسة الجمهورية حق لكل ناخب وناخبة تونسي الجنسية منذ الولادة،دينه الإسلام(الفصل 74)لكن مع شرط التزكية من قبل عدد من أعضاء مجلس نواب الشعب أو رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة أو الناخبين(الفصل 74)؛
  • يسهر على احترام الدستور(الفصل 72)؛
  • يكلف رئيس الحكومة بتكوين الحكومة؛
  • يمارس جملة مهام تتعلّق بالسلطة التنفيذية مع الحكومة يرأسها رئيس حكومة(الفصل 71)؛
  • يختص بضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة(الفصل 77)..يرأس مجلس الوزراء وجوبا في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي(الفصل 93)..له حقّ إقالة وزير الدفاع أو وزير الخارجية بعد التشاور مع رئيس الحكومة(الفصل 92)؛
  • يقترح مشاريع قوانين(الفصل 62)تلك المتعلّقة بمجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي..وهو القائد أعلى للقوات المسلّحة وله اختصاص رئاسة مجلس الأمن القومي؛
  • يختص بإعلان الحرب وإبرام السلم وإرسال قوات إلى الخارج بعد موافقة 3/5 مجلس الشعب؛
  • يعين ويعفي مفتي الجمهورية ..تعين ويعفي محافظ البنك المركزي والوظائف العليا برئاسة الجمهورية والمؤسسات التابعة لها والوظائف العليا العسكرية والدبلوماسية والمتعلقة بالأمن القومي بعد استشارة رئيس الحكومة؛مراجعة قانون المالية(الفصل 66)؛
  • يصدر مراسيم بالتوافق مع رئيس الحكومة في حالة حلّ مجلس الشعب(الفصل 70)؛
  • يحلّ مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينصّ عليها الدستور(الفصل 77)؛
  • يصادق على المعاهدات؛
  • يختص بالعفو الخاص؛
  • يختم القوانين ويأذن بنشرها بالرائد الرسمي؛يحقّ له الدعوة للاستفتاء على القوانين المتعلقة بالمعاهدات أو بالحريات أو بحقوق الإنسان أو بالأحوال الشخصية(الفصل 82)؛
  • يسمي القضاة بأمر بناء على رأي مطابق من المجلس الأعلى للقضاء(الفصل 106)...يسمي القضاة الساميون بعد التشاور مع رئيس الحكومة،بناء على ترشيح حصري من المجلس الأعلى للقضاء(الفصل 106)؛
  • يعيّن جزء من تركيبة المجلس الأعلى للقضاء(قضاة وغيرهم من ذوي الاختصاص)حقّ المبادرة باقتراح تعديل دستوري(الفصل 143).
رئاسة الجمهورية مجبرة دستوريا باستشارة محيط من النسيج المؤسساتي.في هذه الحالة هل يمكن لشخص مستقلّ غير مستند إلى صرايا حزبية معتمدة على عدد النواب بمجلس نواب الشعب؟..هل يمكن لناخب أو ناخبة مستقلة أن تكسب حقّ التّرشّح لرئاسة الجمهورية دون سند حزبي/برلماني؟..هل يمكن لشخص مستقلّ أن يقامر بماله الخاص من أجل الـ"مصلحة العامة"؟..هل يمكن لشخص مستقلّ أن ينجح دون سند إعلامي وهو العارف بأنّ الإعلام بأيدي خصومه السياسين؟..أم أنّ النرجسية طاغية عن الواقعية!!..أو أنّ القبول بموقع الـ"طرطور"ومزاياه المادية والمعنوية أثقل من المعقولية!!..إن كتب لأحد المترشحين والمترشحات أن يفوز بمثل هكذا منصب فليكن عند وعده باحترام جملة الوظائف القليلة المسندة إليه دستوريا وأن ينأى بالمؤسسة الرئاسية عن المحاصصة والحسابات الضيّقة وبدون تجاوزات ولا طرطوريات لأنّ حُرمة الدستور و أمن البلاد والعدالة بين يديه.

خاطرة حول صندوق الدّعم – عبد المجيد بنقياس

كثر الحديث عن "صندوق الدّعم"إلى حدّ أن أحدثت من أجله"لجنة الدّعم"في إطار التحضير للحوار الاقتصادي.بعيدا عن أسلوب التلاعب بالأرقام والمؤشرات الذي يستعمله البعض لتمرير إملاءات خارجية أو البعض الآخر لأغراض سياسية بحتة،لسائل أن يتساءل عن ماهية وأهداف صندوق الدّعم،وعن المنتفعين منه،وعن الأسباب التي دفعت بالبعض المنادي بضرورة حذفه أو تلك التي جعلت البعض الآخر متشبّث بالإبقاء عليه.
لست بالأكاديمي لتقديم بحث أو محاضرة ولا بالصحفي للإثارة ولا بالسياسي بحثا عن كرسي سياسي،بل مواطن همّه الشأن العام وخاصة بالمواضيع التي تهمّ الفئات المهمّشة والمفقّرة وخصوصا لمّا يزجّ بمصالحهم في أتون الصراعات السياسية والخيارات الاقتصادية والاجتماعية والكلّ مدّع بالدفاع عنهم.لهذا ارتأيت أن أساهم بأسلوب برقي بعض الخواطر التي قد لا تفي بحاجة الأكاديمي المختص أو الصحافي المندس أو السياسي المفلس. 
1/ متى ولماذا أحدث صندوق الدّعم؟...أحدث الصندوق لأوّل مرّة بتونس سنة 1945 بقرار من الباي(28جوان 1945)ثمّ وقع إحيائه سنة 1970(قانون 26/ماي1970)كإحدى الآليات للتحكّم في أسعار بعض المواد الاستهلاكية الأساسية(خبز-غاز-إنارة-نقل)في ظلّ اقتصاد يعتمد على فعل"اليد الخفية"أي العرض/الطلب كآلية من آليات الاقتصاد اللّيبرالي.
2/ ما هي آليات التمويل؟...ضريبة على الدّخل الفردي الذي يفوق حجم يقع مراجعته دوريا.
3/ ما هي مسارب الصرف؟...المواد الأساسية والطاقة والنقل والورق...كلّ زيادة ببعض المليمات في سعر إحدى المواد المدعّمة ينجرّ عنها صرف مئات المليارات من المليمات من خزينة الدّولة...
4من هم المنتفعون؟...الأكيد أنّ كلّ الفئات الاجتماعية منتفعة بنسبة تختلف وفق حجم استهلاكها للمواد المدعّمة.فالعائلات المعوزة برغم كثرتها لن تكون إلاّ آخر المنتفعين بهذه الآلية نظرا لقلّة استهلاكها للمواد الأساسية الغذائية وندرة استهلاكها للطاقة(تنوير،محروقات).في المقابل تتمتّع الفئات متوسطة الدخل بنسبة أرفع نظرا لحجم قاعدتها عدديا ولتنوع المواد المستهلكة كمّا ونوعا.أمّا عن أصحاب المؤسسات المستهلكة للطاقة خاصة فهي صاحبة النفع الوفير رغم قلّتها العددية.كما لا يجب أن يغفل حجم الاستهلاك المدعّم الذي ينتفع به الملايين من السيّاح.
5/ لماذا يريد البعض حذفه؟..يجب التذكير أنّ هذا البعض هم من فئة المدافعين الكبار على وحشية اقتصاد السوق ومن أكبر المعادين للوظيفة الاجتماعية للدولة..يعلّل هؤلاء رأيهم بكثرة المنتفعين بالدّعم من أصحاب الدّخل المرتفع الذين تجمعهم نفس التوجهات !قد يتبادر إلى الذهن سؤال قد لا يجد له جواب كلّ المغفلين،هذا السؤال:كيف قبل أصحاب المؤسسات رفع الدعم؟لا غرابة في ذلك ما دامت الإملاءات خارجية(صندوق النقد الدولي-البنك العالمي-البنك الإفريقي للتنمية...الخ)وما دام إجراء تصفية صندوق الدعم في مراحله الأولى.فهناك فرصة لأصحاب المؤسسات وأصحاب الدخل المحترم لتدارك تأثيرات رفع الدّعم من خلال تطبيق سياسة اقتصادية واجتماعية ليبرالية متوحشة تعتمد على الامتيازات الجبائية(ما تفقده المؤسسة من الدعم ستربحه بتحرير الأسعار)وموجّهة للتصدير(إن لم يقدر المستهلك التونسي فالمستهلك الأجنبي في الانتظار).لكن،ماذا عن الفئات الضعيفة أو متوسطة الحال؟هنا يكمن سرّ نعت"التّوحّش"الذي أطلقه بعض المفكرين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين.استحبّت مثل هذا الإجراء منذ بداية الثمانينات وهو أكبر مؤشر يدلّ على نيّة القطع النهائي مع الدور الاجتماعي للحكومات والمرور إلى مرحلة التّوحّش الرأسمالي/الليبرالي الذي ترومه الشركات العابرة لأسواق وسيادة الدول...
6/ما الحلّ؟ لنعد لأسباب إحداث آلية الدعم !السبب الأوّل يكمن في وجود فئات اجتماعية لا تقدر على مجارات نسق تواتر أسعار المواد الغذائية الأساسية وأسعار الطاقة والورق المدرسي.السبب الثاني مرتبط بمحدودية الموارد الطبيعية الكفيلة بضمان الاكتفاء الذاتي من المواد المدعّمة.السبب الثالث في علاقة بماهية نمط الإنتاج القائم وماهية المؤسسات القائمة على إنتاج الثروة والتسويق والتوزيع لفائض الإنتاج والقيمة.
إذا كان عدد سكان تونس،في الأربعينات من القرن الماضي،لا يتعدّى الـ3ملايين نسمة،فما الذي دفع بالباي لإصدار مرسوم لإحداث صندوق الدّعم؟ إنّ نهب الاستعمار الفرنسي ونهب حاشية البايات والطبقة الإقطاعية وراء اتساع قاعدة الفئات المفقّرة،هذا إلى جانب سنوات الجفاف التي حتّمت توريد الحبوب.
  1.         i.            إذا كانت الموارد الطبيعية محدودة فمن الضروري تطبيق حزمة من التقنيات التي تتماشى مع الوضع وابتكار أخرى لتثمين المتوفّر من الموارد وترشيد الاستهلاك.إنّ المواطن التونسي من أوائل المستهلكين للحبوب في العالم !إنّ الخارطة الفلاحية التي تعمد عديد المؤشرات الموضوعية(مناخ،موارد مائية،نوعية التربة..)تؤكّد على إمكانية تخصيص مساحات شاسعة لزراعة الحبوب اللّيّنة(فرينة).لماذا التمادي في التحفيز على زراعة الحبوب الصلبة(قمح)كما فعل الاستعمار الفرنسي؟؟إذا كان للاستعمار مبرراته الكامنة في النهب لصالح مواطنيه فإنّ مبررات الدوائر المسؤولة منحصرة في ضرورة دعم النسيج الصناعي الغذائي والتصدير(كسكسي،محمّص،مقرونة،شربة) ! عن أيّ اكتفاء ذاتي يتحدّثون؟ما هي أفق الأمن الغذائي الذي به يتشدّقون؟؟
  2.       ii.            يكفي أن يقع مضاعفة المساحة المخصصة لزراعة الحبوب اللينة لتحقيق 80%من حاجيات الحبوب بأقلّ التكاليف}لا تتطلب عديد التدخلات لتحضير الأرض(أقلّ استهلاك للمحروقات)،تقاوم الجفاف والأمراض(أقلّ استهلاك للأدوية)،قدرة إنتاجية أكبر من الحبوب الصلبة(21قنطار/هك مقابل 18ق/هك){؛
  3.     iii.            يكفي أن تحفّز الحكومة على تربية المجترات الصغيرة(غنم وماعز)لإنتاج الحليب واللحوم الحمراء حتى نحيّد الميزان التجاري نحو الإيجاب.
  4. يكفي استصلاح 20% من الأراضي غير المحترثة (5ملايين هك)والتوجّه نحو دعم الموارد المائية(تحلية مياه البحر)ودعم استثمارها(لا بيعها للمستثمر الأجنبي)حتّى نضمن الأمن الغذائي لمواطني تونس برغم النمو الديمغرافي المتعارف عليه؛
  5.      iv.            يكفي دعم منظومة البحث العلمي وتوطين ابتكاراتها حتى يتسنى لتونس استغلال موارد الطاقة المتجدّدة(رياح،شمس)غير المكلفة ماليا وغير مضرة بيئيا؛
  6.        v.            يكفي مراجعة الآليات التعليمية والإعلامية والإدارية،باعتماد الوسائل الحديثة،حتى يتسنى للمؤسسات التقليل من استعمال الوسائل الورقية في التعليم والإدارة والإعلام؛
  7.      vi.            يكفي صياغة منظومة ضرائب تعتمد العدالة في الجباية والعدالة في تقاسمها حتى يتحفّز المواطن إراديا للقيام بواجبه الجبائي؛
  8.    vii.            يكفي تشريك مواطن الجهات،على اختلاف وتنوع مواردها،في صياغة البرامج التنموية ومراجعة منظومة التمويل والتأمين وآلياتها للتشجيع والتحفيز على الاستثمار.

عندها فقط،يرتفع حجم إنتاج المواد الاستهلاكية الغذائية والتربوية والإدارية والإعلامية بأقلّ التكاليف ويرتفع دخل المواطن التونسي؛
وقتها فقط،يمكن الحديث عن توفر الظروف والإطار الأنسب:دولة اجتماعية تعتمد على منظومة من المؤسسات أفقية النسيج وحديثة الوسائل تثمّن الموارد المهملة وتستهلك المحلي من الموارد بأقل التكاليف..وقتها يمكن الحديث عن تحقيق لأهداف المسار الثوري:شغل يضمن الاكتفاء البيولوجي والنفسي وخلاّق لمواطن الشغل...حرية فردية وجماعية تضمن المشاركة الفعلية للمواطن... انعتاق البلاد من وحشية "اليد الخفية".. وقتها فقط،لن يعد هناك موجب لآليات الدّعم التي ابتكرتها الدوائر الرأسمالية في زمن الاستقطاب الثنائي.

خاطرة حول التجارة الموازية - عبد المجيد بنقياس

انتفض شباب الجهات المهمّشة وأهالي الأحياء الفقيرة طلبا للشغل علّهم يوفّرون البعض من مستلزمات الحياة المادية الكريمة وافتكاك بعض الحريات الأساسية.انقضّ أغلب مكونات المجتمع"المدني"والتفّوا على الحراك الاجتماعي وحوّلوه إلى حراك سياسي جوهره صراع حول تصورات لمنظومة سلط والآليات الدستورية لضمان استقلالية كلّ منها وكيفية التداول الحزبي على السلطة.انخدع عديد المواطنين وانجرّ نصفهم وراء دعوات الأحزاب لانتخاب المجلس التأسيسي عاقدين الأمل في انجاز بعض الوعود الانتخابية.

تلكّأت الأغلبية بالمجلس التأسيس في إنجاز المهمّة لتسمح لأحزابها بالتموقع والتحكّم بمفاصل كلّ مؤسسات منظومة السّلط القائمة
وبالمؤسسات الإدارية وتنكّرت الأغلبية الفائزة لأغلب الوعود الانتخابية بل تصدّت لكلّ محاولة شرعية ولكلّ دعوات الإصلاح باستعمال الواجهة الإعلامية تارة والعنف والإرهاب تارة أخرى.في الأثناء تحرّكت كلّ المهن لافتكاك ما أمكن من المصالح الدستورية(قضاة،إعلام)والمطالب المادية المهنية وتكاثرت الجمعيات وفتحت الأبواب أمام تأسيس الأحزاب والنقابات.

في المقابل،ازدادت وتيرة غلق المؤسسات الإنتاجية وانكمش الاستثمار ممّا نتج عنهما ازدياد حجم المعطّلين عن العمل وارتفعت الأسعار بشكل جنوني وتراجعت الموارد المالية للدولة ممّا دفع بالحكومة،برغم التحويرات،إلى تلفيق المؤشرات وعدم الكشف عن الحقائق تارة،والبحث عن تعلاّت الفشل تارة أخرى،لكنّها لم تتوانى لحظة بالتمسّك بتلابيب السلطة ممّا جعلها تجدّ في البحث،في إطار من التصورات الفاشلة،عن مصادر لتوفير الموارد المالية داخليا عبر الجباية والإتاوة والرّقاع ورفع الدعم على المحروقات والمواد الأساسية وخارجيا عبر الاقتراض المشروط.

لمقارعة هذه المقاربة العرجاء"تبنّى"جلّ المهتمّين بالشأن العام،من أحزاب وجمعيات ونقابات وأفراد،المشروع الداعي إلى ضرورة القطع مع منوال الحكم ومنوال التنمية الفاشلان والبحث عن صياغة لمشروع بديل. ما هي النتيجة؟ كلّ الوعود الانتخابية سراب وغابت البدائل الدستورية والتنموية بل استكثر البعض مطالب المعطّلين وعاتبوا اعتصام بعضهم ورشّوا الأهالي بالرّشّ وزجّوا بشباب الحراك الثوري أمام المحاكم! ولم يكن بدّ أمام هذا الوضع المتأزّم باطراد من ازدياد منسوب الحراك الاجتماعي تحت شعار"التشغيل والتنمية الجهوية".

لمّا تبخّرت الآمال لم يتأخّر البعض من الشباب في المقامرة بهجرة سرية إلى أوروبا حيث الأزمة الاقتصادية أو ليبيا حيث الانفلات الأمني أو المتاجرة عبر حدود غير آمنة.لم نسمع دعوات إلى استنهاض همم أصحاب رأس المال للاستثمار والتشغيل والإيفاء بما عليهم من ضرائب للدولة! لم نسمع عن اتفاق دولي ثنائي أو متعدّد الأطراف لإدماج الشباب المهاجر !لم نسمع بمحاسبة المتهربين من أداء الواجب الجبائي ! بل قرعت طبول أذاننا بموضوع"التجارة الموازية"التي سُكب من أجل تعرية أهدافها وتأثيراتها أطنان من الحبر وتتطاير من أجل مقاومتها لعاب المحاضرين"المختصين"وكأنّ الظّاهرة وليدة اليوم أو كأنّها برميل بارود قد يفجّر هيكل المنوال التنموي القائم.لسائل أن يتساءل:ما هي الأسباب المنتجة لهذه الظاهرة ولماذا تُنعت بالموازية؟ما هو حجمها في تأثيرها اقتصاديا واجتماعيا؟ ما هي الوسائل المبتدعة ومدى فاعليتها للتصدي لانتشارها وتقزيمها؟
  
يرى البعض من مفكري الاقتصاد السياسي أنّ التبادل السلعي بين القبائل والأمم كانت رائجة منذ العصور الغابرة برغم الافتقار لوسائل النقل الكبيرة والسريعة وانتشار القرصنة قطّاع الطّرق بالمسارات التجارية المعروفة وانعدام آليات التأمين وعدم نضج المبادلة المالية.فالتجارة بالسلع الغذائية المصبّرة والتوابل والعبيد نشاط شرعي تحكمه آليات المروءة والضمان اللفظي والأمانة،وهي نشاط وليد المرور من نمط الإنتاج الهادف إلى الكفاف إلى نمط الإنتاج الباحث عن فائض للمبادلة لغرض الأمن الغذائي والرفاهة،وهي سبب أصلي في ميلاد فئة اجتماعية تمتهن التجّارة والمضاربة.لكنّ الأمر تغيّر مع تشكّل السلطة المركزية الإقطاعية التي اقتطعت الأراضي الفلاحية والمناجم(مناجم الملح والفحم الحجري والذهب...الخ)واستأثرت لنفسها بحق المتاجرة تحت تعلّة الأمن الغذائي لغاية الأمن الشامل والجباية لتوفير الأمن والخدمات.بهذا استفردت النظم الإقطاعية بالتجارة"القانونية"،وكلّ ما عاداها يصنّف في خانة"التجارة الموازية"المضرة بالأمن والاقتصاد،وأعطت لنفسها الحقّ للعب الدور التعديلي في ظلّ مناخ عُرف باحتداد وتيرة الاضطرابات الداخلية والحروب الخارجية وانعدام الاستقرار المناخي.وقد دأبت الحكومات الإقطاعية على توظيف الضرائب العينية على الإنتاج وعلى الرّقبة قصد تجميع كميات المحاصيل الضرورية للخزن والتصريف زمن الحاجة.كما يختزل البعض الآخر الإطار الزمكاني للـ"تجارة الموازية"معتبرين أنّ للثورة الصناعية الأوروبية والمؤسسات الوليدة حينئذ دور كبير في انحسار نمط الاقتصاد المركنتيلي وهو الذي دفع ببعض الأفراد والشركات العائلية إلى نسج شبكة موازية للتجارة بالمواد الفلاحية أولا ثمّ الصناعية في مرحلة متأخّرة.وقد عملت الدول التي اعتمدت نمط اقتصاد السوق على حماية الإنتاج القطري أو القومي بحزمة من القوانين في إطار تموقع كلّ منها داخل أوروبا أولا وفي العالم ثانيا من خلال آلية الاستعمار المباشر.

أمّا في تونس،فيعتبر البعض أنّ التجارة الموازية ظاهرة حديثة نسبيا،باعتبار النمط الإقطاعي السائد وقتئذ،ويؤقتون لنشأتها انطلاقا من ستينات القرن الماضي ومحدّدين إطارها بإحداث الدواوين والشركات الحكومية(ديوان الحبوب،ديوان الزيت،ديوان الخمور،شركة اللحوم،شركة الحليب..).كما يقرّ هؤلاء بأنّ الحكومات دأبت من حينئذ في محاربة ظاهرة المتاجرة بالسلع الفلاحية الأساسية أساسا،باعتبار انعدام منظومة الصناعية وخاصة الصناعات الغذائية.كانت كتلة السلع المتبادلة وتنوعها محدّدة أساسا انطلاقا من حاجات الجهات من المواد الاستهلاكية الأساسية والملابس والأحذية التقليدية.وقد اعتمدت الحكومات المتعاقبة على استعمال عدّة وسائل لمحاربة الإطار القديم للتبادل السلعي بعضها تقني وذلك من خلال تأسيس الدواوين والشركات الحكومية إلى جانب التحكم في التسعيرة بتعلّة التعديل وضرب الاحتكار،وبعضها الآخر قانوني بإصدار قوانين للعقوبات الجزائية ضدّ المخالفين المهربين ووسائل ثالثة إعلامية تحت غطاء ضرورة المحافظة على الصحّة العامة وضرورة الجباية لتقوم الدولة بدورها الاقتصادي والاجتماعي

إن كان لهذه الترسانة من الوسائل لها ما يبرّرها في تلك الفترة وهو ما يفسّر الانخراط الفعلي للمواطنين بمقاطعة الشبكات الموازية،إذ كان للدولة دور اقتصادي واجتماعي شرّعا لها لعب الدور التعديلي محافظة على المقدرة الشرائية والصحّة العامة لشرائح وجهات عديدة وقع تهميشها خلال فترة الاستعمار المباشر.إلاّ أنّ هذه الوسائل لم تعد لها الشرعية بمكان نظرا لمنوال التنمية الفاشل المتبع الذي قلّص من وظائف الدولة الاقتصادي والاجتماعي وهمّش الفلاحة التي تعتبر العمود الفقري للاقتصاد،وهو النشاط الوحيد بالعديد من جهات البلاد خاصة الحدودية منها.فالميكنة الفلاحية وسياسة الخصخصة المعتمدة زادت من تهميش الفلاحة التي نُهب فائض قيمتها من طرف حفنة من المصانع الغذائية ومن طرف بعض الفضاءات التجارية الكبرى ممّا زاد من عزوف الشباب الريفي المتنامي عددا وكفاءة،إن كان وريث أو عامل،على النشاط بمثل هكذا قطاع غير ذي قدرة تشغيلية كبرى وغير مربح ماليا فلم يبقى من حلّ أمام الشباب غير المخاطرة بالنزوح أو الهجرة المقنّنة والسرية أو المتاجرة بما جرّم القانون.وتبيّن الإحصائيات عدم جدوى الوسائل المتبعة لتضييق الخناق على"المارقين"،فهذا النشاط يشكّل أكثر من 50% من النشاط التجاري ويساهم بـ 40%من الناتج المحلي الإجمالي ويشغّل قرابة 520 ألف مواطن.في المقابل تستدلّ الحكومة وبعض من تضررت مصالحهم نسبيا بالخسائر الجبائية السنوية المقدّرة بنسبة 12% من مجمل المداخيل المفترضة.
إن كان للحكومة بعض المبررات التي تؤكّد انحيازها للقويّ اقتصاديا،فإنّ صوت أصحاب المؤسسات"المتضررة"لم يرتفع إلاّ بعد أن انسدّت أمامه أبواب التصدير بفعل الأزمة العالمية الخانقة وبفعل قوانين المواصفات التصفوي للولوج إلى فضاء التجارة العالمية.

إذا كان للحكومة دور أن تلعبه لضمان الدخل الجبائي المستحقّ فعليها البحث عن وسائل تحفيزية لا المطاردة لتفكيك شبكة التجارة"الموازية".فالحياة حقّ لكلّ مواطن فوق هذه الأرض،والحياة تستحيل بدون دخل مادي ضامن للكرامة والرفاهة البيولوجية والنفسية والعائلية.لهذا من حقّ الشباب العاطل البحث عن مورد رزق وإن كان باتباع أوعر المسالك وأخطرها بالمعنى الطبيعي والمالي ما دامت الدولة لا تملك البديل التنموي القادر على استيعاب المنسوب السنوي للشباب من طالبي الشغل.لو اتبع نفس المنطق،سيجرّم يوما ما كلّ عائلة أو شخص يروم التقاليد في تصبير وخزن المواد الغذائية !! ما دخل أبناء تونس المعطّلين والعائلات المفقرّة في التأثيرات السلبية لمنوال طاحن لطموحاتهم البسيطة؟ إن نزحوا نحو المدن للبحث عن الشغل يدحر بهم في أتون المؤسسات العاصرة لعرق جبينهم أو بالسجون..إن حاولوا الهرب عبر البحار والصحاري قد تسلبهم الأسماك والأفاعي الحياة أو يقبعون بالسجون لتتجار بحريتهم السماسرة والحكومات.

على الحكومة أن تبذل ما في وسعها لتفعيل اتفاقيات الشراكة التجارية الثنائية المبرمة مع دول الجوار(ليبيا والجزائر)كما عليها أن تغير منوال التنمية وإيلاء الجهات الحدودية الغربية والجنوبية الاستحقاقات من الاستثمار العمومي والخاص كما عليها التحكم في أسعار المواد الصناعية(ملابس،أحذية،كهرو-منزلية)وفي أسعار الطّاقة والعجلات المطاطية حتى يقلّ منسوب السلع الواردة عبر هذه الشبكة"الموازية"والتحفيز على استهلاك الإنتاج الفلاحي التونسي ووقف التوريد العشوائي.على الحكومة أن تقوم بخطوات هامة في اتجاه لعب دورها الاجتماعي وذلك عبر تشغيل جزءا من الشباب المعطّل وذلك بوحدات الإنتاج والتحويل العمومية(فسفاط،بترول)وأن تساهم هذه المؤسسات بدور تنموي اقتصادي واجتماعي بالجهات حيث هي منتصبة  والتعجيل ببعث صندوق البطالة.

أمّا عن المؤسسات التي تدعي الضرر من هذه الشبكة عليها أن تدرك أنّ منبع تمويل هذه الشبكة يكمن داخل الفئة المحتكرة وفوائده راجعة إليها وهي مخزّنة بالبنوك و/أو مفعّلة في المضاربة العقارية المؤسسات أوّلا،وعليها أن تعترف بأنّها وليدة الخصخصة التي منّ بها عليهم هذا المنوال الفاشل ثانيا،لهذا وجب عليها أن تتحمّل الشوائب السلبية لسياسة طالما صفّقوا لها وشاركوا في صياغتها وامضوا على اتفاقياتها.إذا ما راموا الانخراط في عملية مقاومة للتهرب الجبائي فليبدؤوا بالكنس أمام ديارهم وإن أرادوا الانخراط في سياسة المنظمة العالمية للتجارة لمحاربة الأسواق شرق آسيوية فعليهم بطلب التعويض من منظوريهم.ما دخل الفقراء والمهمّشين في صراع قائم بين صقور المتوحشة صاحبة رأس المال؟

رأس المال وفأس الإرهاب - عبد المجيد بنقياس

تكاثر الأنشطة الإرهابية بأصنافها ودرجاتها،من اللّفظي إلى الجسدي،وبعدّة مواقع جغرافية شملت المؤسّسات والجبال والقرى والمدن،كما تسارعت وتيرة كلّ وسائل الإعلام بالوصف والتشخيص والتّحليل والاستشراف.لا يمكن لاستفحال هذه الظاهرة بتونس ولا للجدل الذي تسبّبت فيه ولا المقاربات أن يتركا تونسيا واحدا،يعنيه الشأن العام،دون الخوض في هذا الموضوع،إن لم يكن بالمشافهة بفضاء مغلق(ندوات)أو بالتعليق بالفضاء الإفتراضي أو بالأطروحات بوسائل الإعلام المكتوبة(جرائد/مجلاّت).لا جدال في إنّ الاختلاف في ماهية الإرهاب يؤدّي حتما لتشخيص ومقاربة مختلفة حتّى وإن كان هناك اتفاق حاصل في التوصيف الافتراضي للمنابع المغذية لجذور الظاهرة وتأثيراتها الفرعية ونوعية ثمارها.فالكلّ لم ينكر أنّ الجذور عميقة ذات صبغة اقتصادية واجتماعية وسياسية وتربوية،لكن هناك اختلاف حول المفهوم. في هذا الإطار تتنزّل هذه المحاولة علّها تساهم بمقاربة تختلف أو تعمّق القراءات المتواترة لعلاقتها العضوية بمفهوم الإرهاب.

اتفق جميع المفكرين على التعريف القانون الجنائي للإرهاب الذي تشير إلى تلك الأفعال العنيفة المتعمّدة والموجّهة التي يقوم بها شخص أو مجموعة أو دولة تهدف إلى التّخويف،ويكون موجهاً ضد الأفراد أو المجموعات أو الدول.رغم ذلك،لا يزال الجدل قائما حول مفهوم الإرهاب وتكاثر الاجتهاد في التعريف إلاّ أنّ أغلبها تستثني جانبا وتهمل آخر وتشدّد على ثالث بحيث بقى كلّ من يروم مقاربة ظاهرة من ظواهر العنف يفتقد لمفهوم متفق عليه.إن عدم الاتّفاق هذا مردّه عقائدي وسياسي ومالي،فهذه منظمة"حقوقية"تساند النهج العنصري لا تقبل بتصنيف مثل هكذا ممارسة عنصرية بخانة الإرهاب،وهذه دولة تنتهك حق شعب في تقرير مصيره تصرّ على عدم رصد الفعل الاستعماري ضمن خانة الإرهاب،وهذه دولة مصنّعة للأسلحة لا تريد وضع التّسليح وتجارة بالسّلاح  في تلك الخانة،وهذه مؤسّسة مالية عالمية حاضنة لتمويل عصابات إرهابية تدفع في اتجاه رفض تصنيف أنشطة كهذه في تلك الخانة وهذه حكومة تنتهك الحقوق الأساسية ترفض تصنيف تلك الانتهاكات ضمن خانة الإرهاب...الخ.لكن رغم النواقص التي سبق ذكرها فإنّ هذا لا يمنع بعض التوضيح باعتبار أنّ بعض الأنشطة منزّهة من الإرهاب،من وجهة نطر العديد من المفكرين،وإن اجتهدت الرأسمالية المتوحّشة،والأنظمة الغاشمة،والعنصرية لحشرها ضمن تلك خانة الإرهاب.

بادئ ذي بدء،وجب التّنبيه على ضرورة التوضيح الفرق بين الحراك الإرهابي والحراك الثوري،لأنّ أعداء كلّ حراك ثوري يرومون التّعتيم على الفرق بينهما لغاية ابتداع مقاربات وقوانين خارقة لحقّ الانتفاض والتحرّر.فالفرق واضح برغم التّعتيم المقصود بين الاثنين يمكن اختزالها في نقطتين:
  • ·         هناك تناقض من ناحية الأهداف العامة والخصوصية التي يرنو إليها كلّ منهما.فالإرهابي يهدف إلى التّسلّط والجاه لصالح فئة صغيرة في حين أنّ هدف القوى الثورية هو سلطة شعبية ونظام اقتصادي ضامن لتقاسم الثروة؛ 
  • ·         هناك اختلاف في الطّرق والوسائل المعتمدة ففي حين يعتمد الإرهابي على شبكة عنكبوتية من الخلايا الهرمية تعتمد على جمع من الأشخاص و/أو الحكومات الأجنبية للتمويل والدعاية والتنفيذ على عكس القوى الثورية المنصهرة في أوساط الفئات المهمّشة،وهي أغلبية،قصد التغيير وهي لا تعتمد العنف إلاّ لغاية التحرّر ودرء إرهاب الدولة.
كما تجدر الإشارة إلى أنّه لا وجود لإرهاب على شاكلة وجه"جانوس"ذاك الربّ في الميثولوجيا الرومانية،وجه ملائكي،يوصف به ما تمارسه السلطة الحاكمة من إرهاب وعنف،وآخر شيطاني يلصق بما يفعله مناهضيها على اختلاف مراجعهم وتشكيلاتهم وأهدافهم.كما وجب التأكيد أنّ للإرهاب عديد الأوجه سيقع ذكر بعضها. 

كلّ الأنظمة الاقتصادية التي أسّست على قاعدة اقتصاد السوق،حيث تصنّف الأشياء والأحياء وفق معيارين:مدى الإضافة في تراكم الأرباح المادية،أولا،ومدى المساهمة في تسلّق السّلم الاجتماعي والسّلطة،ثانيا.فكلّ نشاط إنتاجي أو خدماتي،مادي أو غير مادي،يؤدي إلى المزيد من تراكم رأس المال المالي والبشري فهو محبّذ بل مستهدف فتصاغ لأجله القوانين وتسهّل له الإجراءات وتسخّر من أجله الأموال وتوظّف له القوّة.نظام على مثل هذا النمط والمنوال،وإن كان في بداياته،لا يعطي قيمة للفرد البشري إلاّ من زاوية الفائدة المادية،لا يمكن إلاّ أن يكون إقصائي بطبعه،والإقصاء يولّد حتما ردّة فعل مماثلة تزداد قوّتها وعنفها كلّما توفّرت الوسائل،والمال إحدى أهمّ هذه الوسائل.فـ"اليد الخفية"،أي ما هو مفترض لضبط التوازن بين العرض والطلب في اقتصاد السوق،تولّد بالضرورة أيادي العنف والإرهاب على شاكلة"الغاناش"ذاك الربّ المجسّم في صورة فيل بأيادي عديدة كما رسمته الميثولوجيا الهندية.لعلّ رمزية قصّة قابيل وهابيل في أصلها وأبعادها خير دليل على لما سبق ذكره باعتبار أنّ أصل الإرهاب والعنف والقتل يكمن في الاختلاف حول الخيار بين نمطين من الاقتصاد الاجتماعي،فالأول طمح إلى نمط متداول ركيزته الفلاحة(أهل زرع)وما يختزله من فرق في السّلوك الاجتماعي(ثقة في النفس،رفض الانصياع،حرية الاختيار)مع فهم محدّد لمعنى الزمان(تواتر،حيطة،ادخار)والفضاء(محدود،استقرار)،أمّا الثاني فقد بغى نمط أساسه الرعي(أهل ضرع)وما له من تأثيرات سلوكية(انعدام الثقة،استسلام)واجتماعية(انعزال،أسرة أبوية)مرتبطة بفهم معيّن للزمان(فصول الإنجاب وقواعده)وللفضاء(مفتوح وغير محدّد من الكلأ والماء)لكنّ الاحتكام إلى قوانين التطور الحضاري(النّار في هذه القصّة)حكمت بالقضاء(حرق)على الأسس المحافظة(الكبش السّمين)وأعطت فسحة من النشوء والحياة للتقدّم(حزمة السّنابل)وما قتل قابيل(قوى التقدم)لهابيل(قوى المحافظة)إلاّ رمز للقانون الطبيعي المختزل في مقولة داروين:"البقاء للأفضل".

كلّ المحلّلين،على اختلاف اختصاصاتهم ومدارسهم الفكرية،يؤكدون أنّ للمال دور مهمّ في كلّ الأنشطة الإرهابية لكنهم يختلفون في مدى منسوبه ونسبته وبالتالي تختلف المقاربات لمقارعته؛فالبعض يرى أنّ المنسوب كبير وينسبه لأيادي خارجية ووافد عبر شبكة أخطبوطية أو حكومية فتراها تبحث عن المعونة الخارجية،فاتحة كلّ النوافذ أمام الاستخبارات والقوات العسكرية الخارجية كما تطلب الهدوء الداخلي تحت يافطة"الوحدة الوطنية".أمّا البعض الآخر فيقلّل من شأن التمويل في النشاط الإرهابي ويراه ذي منسوب ضعيف بين أيادي بعض المهرّبين المهرّجين المحلّيين مكتفين برفع شعارات من قبيل الـ"وحدة الوطنية"والـ"انتقال الديمقراطي"والـ"تداول سلمي على السلطة"لفسح المجال أمام الاستثمار يراه البعض كفيلا بتحويل وجهة الشباب نحو العمل بدل الإرهاب.لكن المتأكّد والبديهي،كما سبق القول،أنّ رأس المال لا يقف أمام أي استثمار أو نشاط قد يدرّ الأرباح المالية ومعروف أنّ رأس المال لا يعترف بالموانع القانونية أو بالأعراف الأخلاقية،وخير دليل على ذلك القيمة الهائلة من التمويلات التي رُصدت من طرف عديد البلدان الشرقية والغربية زمن حروب التحرّر الوطنية وخلال الحرب الباردة،وما ترصده العصابات المتاجرة بالمخدرات والأطفال والأعضاء البشرية من أموال لاقتناء الأسلحة من شركات عملاقة كائنة ببلدان تدّعي مقاومة الإرهاب،أليس الإنذار، والطّرد التعسفي،والتّسخير،والتهديد بغلق مؤسسة من أصناف الإرهاب؟أليس التهديد بخصخصة مؤسّسة حكومية وسيلة من وسائل الإرهاب؟أليست ظاهرة"الهجرة السرية"عملية فرار من إرهاب البطالة الذي سلّطته الحكومات الراضخة لخيارات رأس المال؟وأخيرا وليس آخرا،أليست الحماية الأمنية والعسكرية والسياسية التي توفّرها بعض الحكومات لحكّام داعمين للإرهاب من قبيل المشاركة الفعلية في نشر الإرهاب؟.بالإمكان الإقرار،ردّا على نصف الحقيقة المتداولة القائلة بأنّ هناك"مال سياسي فاسد"،بالحقيقية الكاملة بإضافة الألف واللاّم للتعريف والتأكيد على أنّ"المال السياسي فاسد !".إنّ المتاجر بالجسد البشري(زنا،عبيد،أطفال،كفاءات علمية،أعضاء بشرية)،وبالأشياء النّادرة(تحف أثرية،مخدّرات،كحول،أسلحة،مال ربوي)،وبالإنتاج الفكري(ابتكارات تقنية أو فنية)لا يعترف بالمحرّمات الشرعية أو التشريعية المحلية والإقليمية والكونية،وتاريخ البشرية حافل بمثل هكذا أنشطة تجارية.

لا يختلف عاقلان حول مراحل تشكّل النشاط  الإرهاب المعقّّد من حيث عناصر النشوء والفاعلين،والذي يمكن اختصارها بمماثلة بيولوجية:إنّ الإرهاب جنين لتزاوج ثلاثي صلب الذات الإرهابية،تزاوج بين الطّموح إلى السلطة والبحث عن الجاه وامتلاك القوّة.كلّ هذا يتغذّى،كما برحم أغلب الثدييات،من شبكة من الشرايين،ذات نوعية عقائدية،وسط رحم اجتماعي يسوده انعدام التوازن وتحكمه آليات الولاء لاستكمال بعض مراحل النضج الدّاخلي.بعدها،عندما تتمّ الولادة ويخرج ذاك الجنين إلى الملآ  يحضنه البعض خلال فترات النموّ حتىّ يبلغ سنّ"الرّشد"فيدعو وسط نفر من الغاضبين،غير القابلين بالوضع العام،الذين يعيشون لسبب من الأسباب الآتية أو مجموع بعضها أو كلّها:أسباب ذات بعد عقائدي/إيديولوجي/ثقافي و/أو اقتصادي/سياسي/اجتماعي المساواة.فيمارس الإرهابي الدّاعي نوع من التّخدير الذهني،سالبا العقول ملكوت التفكير ومغلقا كلّ فضاء قد يسمح بنضج الذّكاء الجماعي.يكفي أن يحوم نفر قليل حول هذا الفرد"الكاريزمي"حتّى تبدأ بالدّعوة الهادئة المهادنة الإصلاحية مع محاولة انعزالية لبناء بديلا للقائم من الأوضاع.ما إن يتكاثر الجمع،تحت فعل الموجات الأولى من الدّعوة حتّى يتحوّل أسلوب المهادنة التقيّة إلى موجات من الانتفاض والدعوة لممارسة العنف لغاية التّموقع صلب مفاصل السلطة.من العادة أن يكون الفاعل الأصلي ذو شخصية"كاريزمية"منحوتة بخليط من بعض الأفعال المحبّبة وبعض الزّاد المعرفي وبقدرة هائلة على المجادلة والخطابة.غير أنّ هذه الشخصية الـ"كاريزمية"عادة ما  لا تنسّب الأشياء(تشخيص،معالجة،وقاية)فتفتقد بالتالي للواقعية في مقاربة الظواهر والوقائع،وكثيرا ما تزوّق الحقائق ببعض الخوارق والأساطير،وكثيرا ما تلجأ للإرهاب والعنف في حالات العجز عن المقارعة.قد لا تكفي،وعادة ما لا تكفي،كلّ هذه السّمات والـ"خصائل"لوحدها باعتبار ضيق الفضاء وقصر الزمن،فيطلب من الشخص الـ"كاريزمي"التفرّغ للدعاية والمحاضرة والتنظيم.هكذا أصبح لرأس المال دور هام لتوفير المستلزمات الضرورية لمثل هكذا نشاط.فأصبح التمويل من ضرورات النشاط،بل ضرورة أساسية،لتجنيد رأس مال بشري ولتوفير المستلزمات اللّوجستية لتأسيس القوّة الهجومية.هكذا تتحوّل الخطط التكتيكية من المرحلة الدفاعية الدعائية المعروفة بمؤشّر الرفض وعدم الانصياع والخضوع وبكثرة التّطارح والمحاججة،ومنها إلى مرحلة المحافظة على الذّات عند التعرّض إلى إرهاب الخصوم التي من مؤشراتها المماطلة والتهرّب للالتفاف على الأوامر والنّشاط السريّ للقيادة،لتنتهي بمرحلة ثالثة هجومية المنحى وهي مرحلة الخروج عن السلطة القائمة لإسقاطها وتفكيك مفاصلها باستعمال القوّة.من الظّاهر،أنّه لا يمكن لمثل هذه المراحل الثلاث أن تنجز بدون موارد مالية التي من الممكن الحصول عليها بشتّى الطّرق منها:ابتزاز صاحب رأس مال،سرقة الأموال أم ما يدرّ بالأموال،المتاجرة بما يدرّ الأموال،انخراط طوعي لصاحب رأس مال...الخ.

إذن،لكلّ نشاط إرهابي لا بدّ من رصيد هائل من المال مركّب من عدّة رؤوس:رأس مال مالي ورأس مال طبيعي أو تجاري أو فنّي يولّد الأموال ويراكمها،ورأس مال بشري مسخّر لوظائف النّشر والدعاية والتّحريض والعنف المسلّح.يمكن أن يشقّ تلك الشبكة بعض الخلل في علاقة بأهداف فرد أو عصبة وأخرى بالأولويات الآنية و/أو المتوسطة و/أو بعيدة المدى،لكنّها شبكة مجمعة على ألاّ تستثني أو تستبعد أية وسيلة من الوسائل المتاحة لتحقيق الغايات.لذا،فكلّ الوسائل المتاحة هي بمثابة فؤوس بيد الإرهابيين،يرفعونها فوق رؤوس الجميع.
أمام تقاطع المصالح بين رؤوس الأموال وماسكي فؤوس الإرهاب،لسائل أن يسأل:لماذا يستثني أو يتفاد أو يتناسى المحلّلون ووسائل الإعلام هذا الجانب عند طرح وتطارح موضوع الإرهاب؟ هل هو نتيجة الخوف من ردّة فعل أصحاب رؤوس الأموال أم هو خضوع بمقابل لرغبتهم في التخفّي أم هو نتيجة لسوء زاوية المقاربة لا أكثر؟

إنّ رأس المال إرهابي بطبعه،وليس بالـ"جبان"كما قيل،فهو يمارس الإرهاب ويدعّمه عند تأسيس كلّ نظام اقتصادي/اجتماعي إقصائي يضمن تراكم رأس المال،وهو يمارس الإرهاب عند تمويله للبلادة الذهنية وعندما يدعّم التّسطيح والتّعتيم الإعلامي،وهو يمارس الإرهاب عند تمويل المؤسسات القمعية بالعدّة والعتاد،وهو كذلك يمارس الإرهاب عند دعمه لمجموعات عقائدية ترنو لتأسيس ذات النظام الاقتصادي/الاجتماعي مع إضافة بعض الرّتوش الأكثر إقصائية وعدمية،وهو داعم للإرهاب عند الإسناد المالي واللّوجيستي لكلّ شخص مدبّر وإن تغيّرت نعوته عبر الأزمان،فهؤلاء ينعتوه بالإمبراطور أو بالقدّيس وأولئك يسمّونه بالخليفة أو المرشد والبعض الآخر ينعته بالملك أو الزّعيم أو الرّئيس .
ما يعاب على أغلب من تعرّض لهذا موضوع،عدى المعنيين بممارسة العنف والإرهاب،يكمن في إعادة بعض المعزوفات من قبيل:"الدولة هي المخوّلة الوحيدة بممارسة العنف!"؛لكن لمّا يقارع هؤلاء بالمعطى التاريخي القائل بـ"أنّ الدولة جهاز قمعي في خدمة صاحب رأس المال"وأنّه لن يستعمل"القوّة الشرعية"إلاّ ضدّ الأغلبية المقصية سرعان ما يتنكّر هؤلاء لدور الدولة ويقع تأليهها بإضفاء صفة"الدولة محايدة وفي خدمة الجميع !".إذا كانت الدولة شرعية ومحايدة وفي خدمة الجميع فما عسى أن يكون الموقف الصواب إذا مارست الدولة الإقصاء والتهميش ضدّ الأغلبية لصالح فئة صغيرة من أصحاب رأس المال؟ إذا كانت شرعية الدولة كامنة في السهر على التشريعات والقوانين العادلة،فما هو موقف المدافعين عنها إذا استشرى الفساد المالي والإداري بكلّ أنواعه وعند خرق القوانين(لا يعاند أحد في كون أغلبهم من أصحاب رأس المال)؟إذا مارست الدولة الإرهاب،على اختلاف درجاته،على أغلبية معطّلة ومهمّشة فما عسى الردّ على هكذا ممارسة؟

في الختام،لا يمكن لهذه المحاولة الاستقرائية إلاّ أن تحيل على نافذة يمكن من خلالها المساهمة بتقديم العناصر الأساسية لمقاربة لدحر الإرهاب بكلّ أشكاله ومنع انتشاره.فالمقاربة لا يمكن أن يكتب لها النّجاح إن لم تأخذ بعين الاعتبار الدور الأساسي لرأس المال وكيفية توظيفه إيجابيا من ناحية،وإذا لا تصبغ بصيغة تشاركية فعلية من ناحية ثانية.أمّا عن المحاور الأساسية لخيمة مقاومة الإرهاب بأنواعه فهي أربعة:
 (1)قطع جذور الإرهاب الكامنة في الخيارات الاقتصادية والاجتماعية الإقصائية،أي حثّ البحث عن بديل للتنمية والحكم يقطع مع الاستعباد المالي المتوحّش،ويؤسّس للمواطنة حيث واجب التضامن والقرار الجماعي والمحاسبة لاجتثاث جذور الفساد والإفساد وخاصة جذور الأنماط التي تسعى لتسليع الإنسان؛
(2)تقليم الفروع الإرهابية حتّى تتناقص جاذبيتها وذلك بتجريم كلّ رأس مال حاضن وداعم،مهما كان مأتاه(للتذكير:رأس المال لا يعترف بالحدود ولا بالمؤسسات بل هو باحث عن كلّ نشاط يضمن الأرباح المضافة) ؛
(3)مقاومة المنابع المغذّية ذات السيولة العقائدية الإقصائية وهو شأن عام يهمّ كلّ الاختصاصات العلمية،من الأنثروبولوجيا إلى علم الاجتماع مرورا بالأساليب التربوية والعلوم الفقهية؛
(4)بحث جدّي عن كيفية تأهيل بعض"غلال الإرهاب"غير الناضجة لغاية إدماجها في بوتقة المواطنة البنّاءة.

 ألم ينعت أغلب المفكرين هذا العصر بـ"التوحّش" وهل هناك ذات معنوية أوعضوية أكثر إرهاب من الوحش!وهل لازال هناك شكّ في صفة الإرهاب لكلّ من يؤمن بما ورد في كتاب"إدارة التوحّش"!